--------------------------------------------------------------------------------
دمشق آسرة القلوب، تأسر محبيها في حياتهم، وتخلّد أسماءهم في أرضها بعد وداعهم؛ فمقابرها سجل متجدد يحتفظ بأسماء من عاش ومات في أحضانها، مئات الصحابة دفنوا خلف أسوارها، وعشرات العلماء والخلفاء والسلاطين يرقدون بسلام في فيحائها؛ " بتاريخ 3-11-2009 السيد "غسان معمولي"، مدير "مكتب الدفن في دمشق" الذي بدأ قوله:
«نشأت المقابر في دمشق مع نشأة المدينة، وكانت هذه المقابر تقع خارج السور، وتحديداً خلف الأبواب، كمقبرة "باب الصغير" التي تقع خلف "باب الصغير"، ومقبرة "الدحداح" خلف "باب الفراديس"، وكذا مقبرة "شيخ رسلان" خلف "باب شرقي"، فتعتبر هذه المقابر الثلاثة هي المقابر الرئيسية في دمشق وأقدمها، ثم نشأت فيما بعد مقابر جديدة، باتجاه يساير التوسع العمراني لمدينة دمشق، فنجد في دمشق \33\ مقبرة موزعة على مختلف الأحياء، والمقابر تشكل أحد أهم المعالم العمرانية والتاريخية للمدينة، ونجد فيها أضرحة ومقامات من مختلف العهود التي مرت على دمشق».
وتابع السيد"غسان": «إن عدداً كبيراً من الصحابة دفنوا في دمشق، كالصحابي الجليل "أويس القرني"، و "عبد الله بن مكتوم" مؤذن الرسول الكريم، كما يوجد فيها عدد من القبور لـ "آل البيت"، كمقام السيدة "حفصة بنت عمر" زوجة الرسول الكريم، ومقام السيدة "أسماء" زوجة جعفر الطيار، عدد كبير من خلفاء الأمويين دفنوا في عاصمة الخلافة آنذاك،
كما شهد العهد الأيوبي تخصيص عدد لا بأس به من المقابر والمدافن الخاصة بكبار القادة والولات والعلماء في دمشق، والتي تميزت بطابع عمراني مميز، وكمثال على ذلك البناء المحيط بضريح "صلاح الدين الأيوبي" في مقبرة "الكلاسة"، وكذا مقام "ركن الدين" في "حّي الصالحية".
أما في العهد العثماني استمرإنشاء المقابر لتواكب التوسع الذي طرأ على المدينة القديمة، وأصبح يوجد في كل حّي مقبرة تقريباً، كمقبرة "الجورة" في "حّي الميدان "، ومقبرة "الشيخ الأكبر" في الصالحية، والتي تحوي ضريح "الشيخ محي الدين ابن العربي" و"الشيخ محمد سكر" وفيها كان رفات المجاهد "الشيخ عبد القادر الجزائري" قبل نقله إلى الجزائر، ويوجد قبور لعدد من الولات العثمانيين في "التكية السليمانية"، وشهد العهد العثماني ظهور بناء القبب السيد غسان معموليلمقامات الأولياء والمدافن الخاصة بالعائلات الدمشقية العريقة، كمدافن "آل مردم بيك" و "آل الموصلي"، و "آل الجباوي"».
وأضاف السيد "غسان":«في السنوات الأخيرة تم تخصيص أرض كبيرة في أحدى ضواحي دمشق لأنشاء مقبرة؛ وهي "المقبرة الجنوبية الحديثة" في "الحسينية"، والتي تعرف باسم "مقبرة نجها"، وتبعد \13\كم عن مركز العاصمة، وذلك بسبب تزايد عدد الوفيات وعدم قدرة المقابر الموجودة على استيعابها، ويشرف على المقابر "مكتب دفن الموتى"، وهو مسؤول عن مقابر دمشق ،وعن المدافن الخاصة والمقامات الموجودة فيها بالتعاون مع وزارة الأوقاف».
المختار"عمر خادم السروجي" أكد أنه لم يكن للمقابر حدود تحدها، وإنما بدأت وتوسعت بشكل عشوائي، مع احتفاظ السكان بالمقامات القديمة والكبيرة، فيوجد في دمشق المئات من الأضرحة التي لا تفتح وكثير منها محاط بحاجز ليعزله ويفرقه عن القبور الاخرى، وأضاف مختار "حّي الشاغور": «في الماضي كانت القبور تحفر لمسافات عميقة في الأرض، كما أنها تميزت بمساحات الكبيرة وكان يبنى على طرفي الحفرة؛ جدارين من الحجر وسقف مقوس ليتحمل ضغط الذي فوقها، وعندما يفتح القبر للاستخدام مرة أخرى كان الدفن يتم مكان القبر القديم، ولكن فيما بعد، صار الدفن يتم فوق القبر القديم دون فتحه، ويمكننا أن نجد في مقبرة "باب صغير"، ثلاث قبور فوق بعضها البعض، وهذا الأمر سبب مشكلتين فيما بعد، الأولى؛ عندما وضعت القبور فوق بعضها، ارتفعت سوية أرض المقبرة وأصبحت المقابر تحمل التضاريس، بعد أن كانت على سوية واحدة، والمشكلة الثانية؛ أنه في بعض الأحيان تغوص بعض القبور التي ردمت بشكل عشوائي وسريع من قبل الحفارين، وتسحب القبر الذي فوقها، فأثر هذا الأمر على المقابر بشكل عام».
الحاج "محمد نزهت سعد الدين" «أبو أيمن»، هو المشرف على مدفن أحفاد صورة قديمة لمقبرة باب الصغير"الشيخ ابراهيم سعد الدين الجباوي"، في مقبرة "باب الصغير"، حدثنا عن ماهية المدافن الخاصة وتاريخ نشأتها: «إن هذه المدافن، هي أبنية بنيت منذ خمسة قرون تقريباً ويظهر ذلك من طرازها العمراني العثماني، وتحوي داخلها قبور أبناء العائلة التي بنتها دون غيرهم، وتقوم مديرية الأوقاف، بتعيين أحد أبناءها كمسؤول للإشراف عليها، فأنا المشرف عن مدفن "آل الجباوي" و "الزاوية السعدية" في "حّي القيمرية"، وأقوم بفتح أبواب المدفن لزوار بين الظهر والعصر، أيام الاثنين والخميس من كل الأسبوع، وكذا يومي الوقفة وأول أيام العيدين من كل عام، بعد صلاة العيد، وكان هذا الأمر سابقاً بعهدة والدي حتى وفاته».
أسس "مكتب دفن الموتى"، بمرسوم رقم \116\ لعام \1952\، بعد أن كانت المحافظة هي المسؤولة عن الإشراف على المقابر، ومهمة "مكتب الدفن"، صيانة القبور والإشراف على المقابر الواقعة ضمن الحيز الجغرافي لمدينة دمشق، وهو يقوم بتغسيل وتكفين الوفيات وتشيعيها إلى مثواها الأخير، ثم صدرفي عام \1966\، مرسوم رقم \103\ المتضمن إنشاء "لجنة صندوق مقابر المسلمين"، يرأسها المحافظ وبعضوية مندوبين من الأوقاف وعضو من المكتب التنفيذي، هذه اللجنة مهمتها صيانة المقابر، والعناية بها ووضع الحلول اللازمة لوضعها بالمستوى المناسب، السيد "غسان معمولي" تحدث عن طبيعة عمل "المكتب" بقوله:
«يعمل "مكتب الدفن" طيلة أيام الأسبوع، وفي أيام العطل و الأعياد ويقوم بإرسال عناصر ،مهمتها تغسيل وتكفين الوفيات، وذلك بعد الاطلاع على تقرير طبي رسمي بالوفاة ، ومن ثم يقوم بنقل الوفيات بسيارة مجهزة لذلك وتشيعها إلى المقبرة الخاصة بها».
وختم السيد "غسان قوله: «في عام \1994\ قام مكتب دفن الموتى بالتنسيق مع "محافظة دمشق" بإجراء مسح في مدينة دمشق لمعرفة عدد القبور الموجودة في حيزها الجغرافي، فبلغ عدد هذه الحاج محمد نزهت سعدالقبور، \225\ألف قبر، موزعة على \33\مقبرة وعدد من المدافن الخاصة ، كما أن الحد الأدنى لفتح القبر واستعماله مجدداً قد يختلف من منطقة لأخرى وهو في "مدينة دمشق" \5\سنوات، لكن أضرحة الرموز الوطنية والدينية وكبار الشخصيات الاجتماعية لا تستخدم مجدداً وتحترم خصوصيتها».